كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
كتابات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
اعتراف متضرّر من تصدير النفايات

 

26/2/2016 - نجيب صعب

قُضي الأمر، وسقطت الخطة العبثية لتصدير النفايات. لكن بين طرح الفكرة وسقوطها ضاعت ستة أشهر لم يتم خلالها أي إجراء عملي لتحضير خطة بديلة. ولو لم تكشف "النهار" خبر وكالة "تاس" عن الوثائق المزوّرة، الذي صدر باللغة الروسية فقط ليل 15 شباط، لكانت قصة الترحيل ما زالت مستمرة فصولاً.
 
ما كنت لأدخل في هذا الموضوع مجدداً، لولا إصرار بعض المسؤولين عن الملف على الدفاع عن أطراف ثبت تورطها، وتكرار القول إن وراء إسقاط خيار التصدير "متضررين لهم مصالحهم الخاصة". إزاء هذا الاتهام، أعترف بأني من هؤلاء المتضررين، ولكن ليس بدافع مصلحة خاصة، بل دفاعاً عن المتضرر الأول، وهو كل مواطن لبناني. والضرر هنا ليس محصوراً بإهدار المال العام، بل يتعداه إلى تعريض مصالح البلد وسمعته لأفدح المخاطر. واذا كنت، كشخص ساهم في التنبيه إلى هذه الصفقة المريبة، لا أنتظر شكراً، لأنني أعتبر هذا من واجباتي الأساسية، كمواطن أولاً وكمسؤول عن منظمة بيئية إقليمية ثانياً، فأنا أرفض اعتباري متضرراً لمصالح خاصة. لذا أرى من واجبي أن أدلي بما لديّ عن سقوط خطة تصدير النفايات، كي لا يبقى البعض أسيراً لنظرية المؤامرة.
 
لم يراودني شك في أي لحظة، منذ اقتُرح موضوع تصدير النفايات، أنه غير ممكن لهذا الخيار أن يصل إلى نهاية مُرضية، لمخالفته كل منطق بيئي واقتصادي. لهذا تكررت محاولاتي لاقناع المسؤولين بعدم توقيع عقود قد تترتب عنها غرامات وعقوبات، أو تعويضات في حال قررت الحكومة إلغاءها عند اكتشاف حقيقة المخاطر. ومنذ اليوم الأول للأزمة، قلنا إن الحلول المحلية موجودة وممكنة، لكن لا بد من القبول بفترة انتقالية موجعة، لأنه لا يمكن استرجاع 18 شهراً تمت إضاعتها منذ وُعد السكان بإقفال مطمر الناعمة بلا إيجاد بديل له. وكان يمكن فوراً توسيع مراكز الفرز والمعالجة العاملة، وتشغيل المراكز الموجودة، بالتوازي مع إطلاق خطة متكاملة.
 
في الفترة الانتقالية، كان لا بد على وجه السرعة من إيجاد مطامر للعوادم، والوحيد الجاهز والمؤهل كان مطمر الناعمة. هذا المطمر، وإن كان تجاوز طاقته الاستيعابية، يمكن توسيعه وإنشاء مركز فرز ومعالجة على مدخله. كما كان يمكن إنشاء مركز معالجة في مكبّ برج حمود، ضمن خطة لاستصلاحه وتحويله إلى حديقة عامة. هذا ما كان يصحّ تسميته "أبغض الحلال"، وليس التصدير الخارجي إلى مجاهل الأرض أو الداخلي إلى أقاصي لبنان. ولكن بعد حملة شعواء على مطمر الناعمة كمصدر للأوبئة والأمراض والحشرات، لم يكن متوقعاً من سكان المناطق الأخرى القبول بمكبات ومطامر بجوارهم. في المقابل، كان يمكن إقناع الناس بمراكز معالجة يتم تحضيرها خلال أسابيع قليلة، يكون من ضمنها مطامر للعوادم، وليس مجرد مكبات ومطامر.
حذرنا من عواقب التصدير وعرضنا الحلول المحلية الممكنة والمعقولة، في اتصالات ومراسلات، كما في مقابلات إذاعية وتلفزيونية ومقال مفصل في "النهار" في تشرين الثاني بعنوان "النفايات من كارثة إلى أخرى"، عرضنا فيه للمخاطر والحلول http://goo.gl/cgJ2tD. وقد أوضح المقال أن النفايات المنزلية تدخل في إطار اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، وأن الاتفاقية تحمّل بلد المنشأ مسؤولية النفايات في أية مرحلة، حتى بعد وصولها إلى وجهتها النهائية ومعالجتها. وجاء هذا تصويباً للتصريحات التي أطلقها مؤيدو التصدير، من أن النفايات المنزلية غير خطرة، ولا تدخل في الاتفاقية، وأن الشركات المصدّرة تتحمل المسؤولية كاملة منذ وضعها على ظهر البواخر. مقال "النهار" انتهى بتساؤل عن "من يوقف هذا الجنون؟" لكن العمل استمر في اتجاه خيار التصدير، وفي إطار من التكتم التام.
 
في 21 كانون الأول الماضي تم الإعلان عن اختيار شركتين لتصدير النفايات، واحدة مسجلة في هولندا والثانية في بريطانيا. كنت في هولندا في ذلك الوقت، فكلفت باحثين مساعدتي في الاستقصاء عن الشركتين اللتين تم الإعلان عنهما. جاءت النتائج لتؤكد الشكوك، فعرضتها في تقرير كان الهدف منه التنبيه من التورط في عقود تستجرّ المخاطر والخسائر. نُشر التقرير في جريدة "النهار" يوم الخميس 31 كانون الأول، بعنوان "فضيحة النفايات: شركة للتصدير عنوانها منزل في قرية هولندية وفرعها الألماني يبيع المطابخ".
التقرير في "النهار" كشف حقائق غير مشجعة عن الشركتين، تتناقض مع ما تم الإعلان عنه في التصريحات. فالشركة الهولندية المتعددة الأسماء لا تنفذ مشاريع معروفة ولا علاقة لها بنفايات أمستردام، والشركة المسجلة في بريطانيا لا علاقة لها بنفايات لندن ولم تنفذ أي عمل فيها كما قيل. كما أن السجلات التجارية البريطانية لا تظهر اسم الشركة الذي تم الإعلان عنه، ما يعني القيام بتسجيل اسم تجاري آخر في بلد غير بريطانيا، خصيصاً لعقد نفايات لبنان. ونبه التقرير أيضاً إلى المسائل القانونية التي يجب التقيد بها في هذا الشأن، وخصوصاً الالتزام بمندرجات اتفاقية بازل http://goo.gl/1yojue
 
بدل الاستفادة من هذه المعلومات لتقصّي الحقائق والقيام بالاجراءات المطلوبة، ردّ الوزير المكلف بالملف على تقرير "النهار" بعرض قدم له بالقول إن "المعلومات والأرقام التي ساقتها جريدة "النهار" غير صحيحة"، مضيفاً أن المسؤولين عن الملف تحفظوا عن أسماء الشركات ووجهة التصدير وكتموا معلومات حتى إتمام العقود. واللافت أن الشركتين المعنيتين لم تردّا على التقرير. أعددنا رداً على الرد، أُرفق بوثائق إضافية، نُشر في "النهار" في 4 كانون الثاني 2016. وقد أثبت الرد، بالوثائق وبما لا يقبل الشك، أن جميع المعلومات التي أوردتها "النهار" صحيحة http://goo.gl/Bdk15O ،http://goo.gl/BbUv0h
 
بهدف التأكد من مندرجات اتفاقية بازل، زرتُ الأمانة العامة للاتفاقية في جنيف في 14 كانون الثاني، للاستفسار عن أمرين: شمول النفايات المنزلية في الاتفاقية باعتبارها نفايات خطرة، ومسؤولية الدولة المصدرة عن نفاياتها في أية مرحلة من النقل والمعالجة. مرة أخرى، تم وضع هذه المعلومات بمتناول المسؤولين عن الملف، مع حثهم على طلب المشورة القانونية من سكرتارية اتفاقية بازل، واعتماد وسائل الاتصال الرسمية من بلد إلى بلد.
 
الشركة الهولندية اختفت من لبنان عقب نشر المعلومات وما تبع ذلك من انكشاف وثيقة عن قبول سيراليون بتصدير النفايات إليها، تبين أنها مزوّرة. فتحول العقد كله إلى الشركة "البريطانية". ولم ينفع تقديم مزيد من المعلومات والوثائق بثني المسؤولين عن السير بالعملية.
 
في 15 شباط، بلغنا أن إقليم كراسنودار الروسي الواقع على البحر الأسود يكذّب المعلومات التي تحدثت عن قبول استقبال نفايات من لبنان. وترافق هذا مع رسالة في اليوم نفسه من وزارة الزراعة والبيئة القبرصية إلى وزارة البيئة اللبنانية تبلغ فيها رفضها إعطاء تصريح لإدخال النفايات المنزلية من لبنان إلى قبرص، لأن هذا يتعارض مع قوانين الاتحاد الأوروبي. وهذا تماماً ما نبهنا إليه منذ تشرين الثاني.
 
بهدف البحث عن معلومات حول الموضوع في روسيا، ترجمنا ثلاث كلمات إلى الروسية هي: "روسيا، لبنان، نفايات" وأدخلناها في محرك غوغل للبحث. كان هذا في التاسعة من مساء 15 شباط، فوجدنا خبراً نُشر قبل دقائق، في الساعة 8:39 مساء في وكالة "تاس" وباللغة الروسية فقط. وكانت المفاجأة حين ترجمنا المقال من الروسية أنه يتضمن نفياً من وزارة البيئة الاتحادية الروسية لموافقتها على التخلص من النفايات اللبنانية على أراضي الاتحاد الروسي، ووصفت الوزارة المراسلات الخاصة بالموافقة بأنها "وهمية ومزورة". وقد نشرنا هذا الخبر على صفحة الفيسبوك في الساعة العاشرة مساءً، ونبهنا المسؤولين إليه، حيث أرسلناه ليلاً إلى المعنيين مع الترجمة والرابط. وقد نشرت "النهار" الموضوع ليلاً على صفحتها الإلكترونية، وفي عددها صباح 16 شباط بعنوان: "وثائق مزورة تشكل انتكاسة في ملف النفايات". وحتى اليوم لم تنشر وكالة "تاس" هذا الخبر إلا بالروسية http://goo.gl/AwjEAo
 
بقيّة الحكاية معروفة، إذ أعلن مجلس الإنماء والإعمار صباح الجمعة في 19 شباط إلغاء العقد مع الشركة "البريطانية" ومصادرة الكفالة لعدم تقديمها الأوراق الرسمية المطلوبة (هذا إذا ما كانت الكفالة قدمت حسب الأصول). وهكذا بدأ البحث مرة أخرى عن استرجاع الوقت الضائع لإيجاد حل محلي موقت لكارثة النفايات، يتزامن مع البدء بتنفيذ حل على المدى المتوسط والمدى البعيد.
 
لو تم أخذ معلومات التقرير الذي نشرته "النهار" في 31 كانون الأول بالجدية المطلوبة، لكان لبنان تجنب كل هذه المضاعفات وإضاعة مزيد من الوقت. وبالطبع لكان هذا أفضل من اتهام الذين ساهموا في كشف الحقائق حفاظاً على المصلحة العامة بأنهم "متضررون" يعملون لمنافع شخصية.
 
المواطنون جميعاً يستحقون الاعتذار، كما يستحقون الكثير من الإيضاحات.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات