كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
كتابات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
من المراكز التجارية إلى "مرافئ الصيادين": توازن الرعب البيئي باسم الطوائف

نجيب صعب
النهار - كانون الثاني 2010

من المراكز التجارية إلى "مرافئ الصيادين":

توازن الرعب البيئي باسم الطوائف

 

أما وقد انقضت فترة الأعياد، فنرجو ألا يتهمنا أحد بتعطيل الحركة السياحية والدورة الاقتصادية، إذا أعدنا التذكير بما حذرنا منه في مقال نشرته "النهار" في 5 آب 2002 حول مخاطر مجمع "أ. ب. ث." في الاشرفية، وكان حينها قيد الانشاء. فازدحام السير الذي نعانيه اليوم، من التباريس والسوديكو وأوتيل ديو وطريق النهر، وصولاً الى ساحة ساسين، يعود أساساً الى هذه الفضيحة المعمارية، التي كانت نتائجها معروفة سلفاً. في مقالنا منذ ثمانية أعوام، وقبل افتتاح المجمع التجاري، حذرنا من زرع دينوصور الباطون المسلح هذا وسط منطقة سكنية مكتظة تتميز بالطرقات الضيقة، والبناء من دون أية تراجعات ومن دون تخصيص طرقات وفسحات للخدمة، كان يجب اقتطاعها من أرض المشروع. جاء في المقال:

"المنطقة أساساً مكتظة، والمداخل الرئيسية لمواقف السيارات لسوبرماركت سبينس ومجمع "أ. ب. ث." مفتوحة مباشرة على اوتوستراد الحكمة، بلا أية مسارب خدمة، اذ ان البناءين ملاصقين للطريق العام من دون تراجع. فلنتصور من اليوم الازدحام على اوتوستراد الحكمة ـ العدلية، خاصة أمام مدافن مار متر، عند بدء العمل في المجمع الجديد.

"أما الفضيحة الأكبر، فهي وجود مداخل ومخارج لمواقف السيارات لجهة الجسر فوق الاوتوستراد ومن جهة مدرسة زهرة الاحسان، تصب في الشوارع الضيقة. هذه المنطقة مكتظة أساساً، وتشهد في ساعات كثيرة زحمة خانقة، خاصة في الطريق من صيدلية بارتي الى ساسين، وفي المخرج من اوتوستراد الحكمة الى ساسين والشوارع الصغيرة حول مدرسة العازارية. أما عرقلة السير في جميع الشوارع المحيطة كل صباح بسبب السيارات التي تتوقف لايصال الاولاد الى مدرسة زهرة الاحسان، فلن يزيدها افتتاح المجمع إلا تفاقماً. وكان منتظراً أن يطلب وقف الروم الارثوذكس، الذي يملك المدرسة وأرض المجمّع الجديد، من المستثمرين الابقاء على فسحة تتوقف فيها السيارات أمام المدرسة، وتخصيص مسارب خدمة، واقامة مساحات خارجية خضراء، بدل تغطية كل شبر بالباطون واحكام الطوق حول المدرسة والطرق المحيطة بها.

"الصور الهندسية التي نشرها المستثمرون تعطي صورة مغايرة للواقع، اذ انها من خيال الرسام، أضاف اليها مساحات خضراء حول المبنى ـ الدينوصور، هي غير موجودة، والحقيقة انها شوارع ضيقة مسوّرة بالأبنية. ولن ينفع زرع أشجار باسقة على رصيف عرضه متر واحد، لأنها ستعيق مرور المشاة.

"إذا كانت أية دائرة رسمية أو وزارة أو شركة خاصة أجرت دراسة عن تنظيم السير حول مجمع "أ. ب. ث." وأثره على المنطقة المحيطة، نرجو نشره لاطلاع الناس عليه. أما نحن فنرى الكارثة آتية لا محالة، لأن انشاء مشروع ضخم كهذا كان يقتضي تعديلات جوهرية في الطرقات حوله وتوسيعها وتنظيم وجهات السير. وفي الدول المتحضرة، ولو قليلاً، يتم فرض شروط صارمة على أصحاب المشاريع لتحسين شبكات الطرقات حول المباني الكبيرة المسببة للازدحام، قبل إعطاء الترخيص، على أن تنفذ هذه على نفقتهم، كجزء من كلفة المشروع".

خلال ثمانية أعوام، تحولت حياة الساكنين في المنطقة المحيطة بمجمع "أ. ب. ث." الى كابوس، إذ أصبحوا قسراً سجناء في منازلهم بسبب زحمة السير الخانقة. فعدا عن الاختناق الذي تتسبب به طوابير السيارات الداخلة إلى المواقف والخارجة منها، يركن موظفو المحال التجارية في المجمع سياراتهم منذ الصباح الى آخر الليل أمام الأبنية في الشوارع الضيقة المحيطة، تجنباً لدفع الرسوم في موقف "أ. ب. ث.". وتقطع سيارات التاكسي الطرقات، لأن الجهابذة الذي صمموا المبنى ووافقوا عليه لم يلحظوا مواقف مخصصة لسيارات التاكسي (للمقارنة، فمجمعات دبي التجارية، وغيرها من دول الخليج، تضم مواقف مخصصة لمئات سيارات التاكسي التي تعمل بانتظام ولا تعرقل السير. منذ أسابيع وقفت في صف طويل من مئة شخص بانتظار تاكسي في مركز "سيتي سنتر" في دبي، فجاء دوري بعد أقل من ثلاث دقائق). أما سيارات "الوجاهة" ذات اللوحات "المميزة" فلا يتنازل أصحابها لاستخدام المواقف، بل يركنونها على الأرصفة، قاطعين الطرقات على المشاة والسيارات. ويا ليت جحافل الدرك التي سيّرها الوزير زياد بارود تحاول منع مخالفات كهذه، بدل القيام بحملات استعراضية من عشرات السيارات ذات الصفارات، على تقاطع السوديكو أو التباريس. ويا ليت الوزير يمنع سيارات أجهزته من اطلاق صفاراتها حين تمر مرور الكرام بزحمة الطرقات حول "أ. ب. ث."، فتزعج السكان بلا طائل، إذ ينحصر مفعول صفاراتها وأضوائها المزعجة بفتح الطريق لموكبها الاستعراضي، بينما تتفاقم مشكلة الازدحام بسبب عبورها.

قبل نشر المقال في "النهار" سنة 2002، زرنا محافظ بيروت في حينه للتنبيه إلى مخاطر مجمّع "أ. ب. ث."، فكان الجواب أن طوائف أخرى أقامت مجمعات تجارية وأبنية عامة، في مناطق سكنية مكتظة من بيروت، فلماذا لا يسمح بالشيء نفسه في أرض تعود لوقف الروم الأرثوذكس؟ تذكرت هذا وأنا أعاين الأسبوع الماضي ردم البحر وقضم الصخور الفريدة الرائعة على الكورنيش، مقابل ما يسمى "جل البحر"، بحجة بناء مرفأ للصيادين. وسمعنا أن على الشاطئ البيروتي مرافئ للشيعة وأخرى للسنة، فلماذا لا يكون هناك مرفأ للدروز؟ وإذا كان المسؤولون تغاضوا عن مخالفات ردم البحر والبناء على شاطئ فندق "ريفييرا"، رغم كل الضجيج الذي صدر عن بلدية بيروت ونوابها في حينه، فلماذا "يمنع" عن "الصيادين الفقراء" ما تم التغاضي عنه للمستثمرين الأغنياء؟ وهل يتحول "مرفأ الصيادين" إلى مقهى يضاهي "بالاس كافيه"، المقهى المجاور الذي ما زال يتربع على شاطئ مسمكة على بحر رأس بيروت منذ سنوات، ولا من يجرؤ على إزالته؟

إن توازن الرعب البيئي، باسم الطوائف والمذاهب، لن يبني وطناً. كما أن صفّارات سيارات الدرك وأضواءها المتوهجة لن تفتح الطرقات حول "أ. ب. ث."، ولن تزيل المخالفات من فقش الموج إلى مرمى الثلج. الحل في منع المخالفات، ومحاكمة المخالفين والمتغاضين والزج بهم في السجون، بمفعول رجعي. ولتتفضل جمعيات حماية المستهلك والبيئة وحقوق الانسان باطلاق حملات للاعتصام ومقاطعة المخالفين، من المجمعات التجارية الى المقاهي والمنتجعات السياحية وتجار الأغذية الفاسدة.

نجيب صعب

مهندس معماري

 

كلام الصور:

  • 1. زحمة في الاتجاهين أمام مداخل مواقف "أ. ب. ث."، من أوتيل ديو وسن الفيل إلى الحكمة ومن التباريس إلى ساسين مروراً بمار متر.
  • 2. مدخل المواقف لجهة جسر ساسين ـ العازارية.
عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات