كتابات اخبار و مقابلات الكتب الافتتاحيات الصفحة الرئيسية
    English version  
       

للتواصل الافلام الصور السيرة رئيس تحرير مجلة البيئة والتنمية
امين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية
الافتتاحيات

البيئة العربية في 10 سنين
وضع البيئة في العالم العربي تراجع في جوانب كثيرة، لكنه أحرز تقدماً على بعض الجبهات. هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصل إليه التقرير الجديد للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) وعنوانه "البيئة العربية في عشر سنين". وهذا التقرير هو العاشر في السلسلة السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أطلقها "أفد" عام 2008.
المفكرة البيئية
البيئة في وسائل الاعلام العربي
قمة دبي والمهمة المستحيلة

نجيب صعب، تشرين الثاني 2023

لعل أهم ما تبحثه قمة المناخ الثامنة والعشرون (كوب 28) في دبي تقرير عن نتائج جردة الحساب المناخية الأولى. وكانت قمة باريس (كوب 21) عام 2015 أقرّت إعداد هذه الجردة كل خمس سنوات، ابتداء من 2023، لاستعراض حالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتكيُّف لمواجهة الآثار، إضافة إلى التمويل.

يُظهِر التقرير تقصيراً في جميع المجالات. فقد ثبت أن الالتزامات الحالية بخفض الانبعاثات غير كافية، حتى لو تم تنفيذها كاملة، لوقف ارتفاع معدل الحرارة عند 1.5 درجة مئوية مع نهاية القرن، عدا عن تقاعس معظم الدول عن تنفيذ الحدّ الأدنى من الأهداف المُعلنة. ولذا، فالاستمرار على الوتيرة الراهنة سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الحرارة إلى ما فوق 1.5 درجة قبل سنة 2050، و3 درجات قبل سنة 2100، مع ما يعنيه هذا من كوارث. والحل الوحيد تسريع تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

أما الاستعدادات لمواجهة آثار التغيُّر المناخي التي لن يمكن وقفها، أي ما يسمى بتدابير "التكيُّف"، فهي أقلّ كثيراً من المطلوب. وهذا يعود إلى قصور في التخطيط على المستوى الوطني وغياب التمويل المناسب، مما يوصلنا إلى نقطة الخلاف الكبرى، أي من يدفع فاتورة العمل المناخي.

قبل أسبوعين من قمة دبي، وصل حجم التمويل المناخي إلى مائة مليار دولار في السنة، للمرّة الأولى، بتأخير 3 سنوات عن الموعد المحدد. ومع أن طريقة احتساب هذا المبلغ ما زالت غير واضحة، فيما إذا كان يمثّل التزامات جديدة أو أنه جزء من مساعدات التنمية الخارجية التقليدية، إلا أن بلوغه يوقف الجدال العبثي حول "المائة مليار دولار الضائعة".

تبقى المسألة الأهم في التمويل المناخي، وهي وضع آليات واضحة لصندوق الخسائر والأضرار، الذي اتُّفق عليه العام الماضي في شرم الشيخ، وتُرِك لقمة دبي تحديد أُسس عمله. الهدف الأساسي من الصندوق مساعدة الدول الفقيرة في مواجهة آثار التغيُّر المناخي، بتدابير تشمل البنى التحتية وأنظمة البناء والزراعة والمواصلات والسياحة والصحة، للتعامل مع شحّ المياه وارتفاع مستويات البحار، والأحداث المتطرّفة مثل الأعاصير وموجات الحرّ والجفاف. لكن الخلافات مستمرة حول ماهية الصندوق: فهل هو لمساعدة الدول الفقيرة، طوعياً وبما تيسَّر، كما تريده الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة، أم هو للتعويض عن أضرار تسببت بها هذه الدول بسبب انبعاثاتها المتراكمة عبر السنين، والتي كانت العامل الأساسي وراء تغيُّر المناخ؟ ومن يحدّد الدول المؤهلة لتلقي المساعدة؟ ومن يتحمل الأعباء؟ ثم أَتَكون المساعدات على شكل قروض أم هِبات أم تمويل لمشاريع، ومن يُشرف على التنفيذ؟

تأتي الدول إلى دبي باهتمامات مختلفة. فالولايات المتحدة تنتظر مساهمات أكبر من الصين، وتشترط إشرافاً صارماً على صرف أموال المساعدات للدول النامية ورقابة على النتائج. والصين تصرّ على استمرار معاملتها كجزء من الدول الفقيرة، وبالتالي تقف وراء الدول النامية في مطالبة الدول الصناعية الغربية بتحمّل القدْر الأكبر من المسؤولية في خفض الانبعاثات وتمويل العمل المناخي. فهل تساهم القمة الأميركية-الصينية الأخيرة في حلّ توافقي؟ أما الدول النفطية فتحاول الجمع بين الالتزامات المناخية والحفاظ على مصادر دخلها، من خلال تنويع اقتصادها استعداداً لتحوُّل سلس لا يلغي دور الوقود الأحفوري سريعاً، فيما يعتبر البعض أن هذا لا يستجيب بما يكفي للتحدّيات الوجودية التي يفرضها تغيُّر المناخ.

تبقى الدول الفقيرة الأكثر تأثراً بمضاعفات تغيُّر المناخ، خاصة "اتحاد الدول الجزرية الصغرى" الـ39، التي تطالب بإجراءات فورية حاسمة لوقف الانبعاثات، وعدم انتظار موعد التصفير في 2050، لأن ارتفاع البحار قد يجعلها تختفي من الوجود قبل ذلك التاريخ.

وإذ تحاول دول الاتحاد الأوروبي لعب دور الوسيط، فهي تأتي إلى دبي مثقلة بالتداعيات الاقتصادية والجيوسياسية للحرب المستمرة في أوكرانيا، مع تعهُّد بزيادة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف بحلول 2030، وتعزيز تمويل العمل المناخي في الدول الفقيرة. ومع أن الاتحاد الأوروبي أقرّ بداية هذا الشهر وضع حدود عليا لانبعاثات الميثان، أكان مصدرها مزارع الأبقار أم الصناعة، تبقى أمامه تحدّيات كبرى، ظهر آخرها في نتائج الانتخابات الهولندية هذا الأسبوع، التي منحت الأكثرية لأحزاب ذات اهتمامات مناخية ضعيفة، كما في إسقاط البرلمان الأوروبي اقتراح خفض استعمال الأسمدة الكيميائية إلى النصف.

أبرز ما يتضمنه جدول أعمال قمة دبي تعديل خطط تخفيض الانبعاثات والتكيُّف والتمويل، لتصحيح المسار بناء على نتائج جردة الحساب المناخية. ولذا على الدول تقديم تعهّدات جديدة في هذه المجالات جميعاً، استعداداً لجردة حساب ثانية بعد خمس سنوات، لمعرفة مدى التقدُّم المرحلي نحو تحقيق أهداف 2030، على طريق 2050، والرسالة واضحة بوجوب تقوية الاستجابة وتسريعها.

المطلوب أولاً تخفيف الانبعاثات بوتيرة أسرع، وهذا يعني الحدّ من حرق الوقود، بالتوازي مع تعزيز تدابير الكفاءة وترشيد الاستهلاك وتطوير تقنيات التقاط الكربون واحتجازه أو إعادة استعماله بأمان. فالهدف وقف الانبعاثات، بأيّ وسيلة ممكنة، في الوقت المطلوب. وقد كان الرئيس المعيّن للمؤتمر سلطان الجابر واضحاً حين أعلن، تعليقاً على جردة الحساب، أن التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري خيار محتوم لا بد منه. وعدا عن تقوية أهداف تخفيف الانبعاثات، سيتعيّن على قمة دبي، استجابةً لنتائج "جردة الحساب المناخية"، إقرار زيادة المساهمات في صندوق المناخ الأخضر وصندوق التكيُّف، إلى جانب تعهدات مبكرة لصندوق الخسائر والأضرار.

أخيراً، على المستشارين - بدلاً من بيع الأوهام كما يفعل بعضهم - مساعدة الحكومات والقطاع النفطي في التحضير لتغيُّرات كبيرة وسريعة. وتأتي السرديّة التي تعتمدها شركات استشارية عالمية مثلاً على هذا، إذ تعتبر زيادة الطلب على النفط والغاز من مناطق محددة، بسبب الحرب في أوكرانيا، وضعاً ثابتاً سيطول. وهي تُهمل حقيقة أن الحرب الروسية-الأوكرانية، التي أدّت إلى ارتفاع الأسعار، أدّت في المقابل إلى تسريع برامج الطاقة المتجددة والكفاءة. كما تتجاهل أن كلفة الطاقة المتجددة تواصل الانخفاض يومياً، بالتزامن مع التقدُّم الكبير في انتاج الهيدروجين كناقل ومخزِّن للطاقة. وعلى أهمية الاستمرار في تطوير تقنيات بديلة، مثل التقاط الكربون وتخزينه، وصولاً إلى تطبيقات عملية واقتصادية، فهل نملك رفاهية الانتظار بإعتبار أن حرق الوقود الإحفوري لن يتوقف؟ وهل تكون هذه الشركات، التي تدَّعي الاستدامة، أكثر حرصاً على مستقبل النفط من الشيخ محمد بن زايد، رئيس إحدى أكبر الدول المصدِّرة، الذي أعلن عام 2016 أن الإمارات تستعد "للاحتفال بتصدير آخر برميل نفط"، وذلك بعد أن نوَّعت اقتصادها وقررت الالتزام بالتدابير المناخية؟ أو من السعودية، التي أطلقت أكبر برامج التحوُّل الاقتصادي والطاقوي في العالم؟

صوّت الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي على اعتبار التدمير البيئي نوعاً من الإبادة الجماعية. هذا حدثٌ مهمٌّ على أبواب قمة المناخ، لكنه يفقد المحتوى الأخلاقي مع استمرار تنكُّر الحكومات نفسها للحق الإنساني وسكوتها عن جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين. فإذا لم تعدّل الحكومات الداعمة لإبادة الشعب الفلسطيني مواقفها قبل أن تأتي إلى دبي، ستتحوّل مواعظها عن البيئة والمناخ إلى خداع وقرقعة فارغة.

 

عودة
افلام الصور اخبار و مقابلات