نجيب صعب، تشرين الثاني 2025 
 مع اقتراب قمة المناخ الثلاثين (كوب 30) التي تستضيفها البرازيل، من المفيد مراجعة واقع المفاوضات وموقع الدول العربية في عملية حوكمة المناخ العالمية. وفي الوقت عينه، يجدر التساؤل عما إذا كان المناخ ما يزال قضية رئيسية مطروحة، وما هو الدور الذي يمكن الدول العربية أن تلعبه في دفع عجلة العمل المناخي؟ أما الكلام عن التمويل والالتزامات، فسيتكرر في مناسبة تحوَّلت الى ما يشبه الكرنفال. 
وفقاً للدراسات المتتابعة من هيئات علمية عالمية خلال السنوات الأخيرة، والتقارير الاقليمية الصادرة عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) منذ 2008، تُعدّ المنطقة العربية من بين أكثر المناطق تأثراً بتغيُّر المناخ، لاسيما ما يتعلّق بتعاظم مشاكل ندرة المياه، والأراضي القاحلة، وارتفاع مستوى سطح البحر. بعد إدراكها لهذه المخاطر المحدقة، بدأت الدول العربية تأخذ مفاوضات المناخ على محمل الجد. وقد دَفَع الموقف الدفاعي الذي كان سائداً في الماضي بعض المفاوضين العرب للانضمام إلى معسكر مُنكري تغيُّر المناخ. لكن هذا الوضع تغيّر أخيراً، حيث تحوّلت المشاركة العربية من مجرد عرقلة القرارات كرد فعل على مبادرات قدمتها جهات فاعلة أخرى، غالباً ما اتسمت بتجاهل حقوق عربية مشروعة، إلى تقديم مبادرات استباقية. بعض الدول العربية، ولاسيما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والمغرب والأردن ومصر، دأبت منذ سنوات على الترويج لمبادراتها الملموسة، التي تشمل الحياد الكربوني، والنهوض بمصادر الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وتمويل العمل المناخي، مما عزز موقفها التفاوضي. وهي نجحت في وقف تحميل منتجي النفط المسؤولية الأساسية، الذين يقتصر دورهم على تلبية حاجة الأسواق، خاصة في الدول الصناعية، التي عليها تحمُّل مسؤولياتها في ترشيد الاستهلاك. 
مع تحوّل تغيُّر المناخ إلى حقيقة راهنة لا جدال فيها، تحوّل المفاوضون العرب الى الدفاع عن حق بلدانهم في انتقال طاقوي عادل. وتجدر الإشارة إلى أن مُصدّري الوقود الأحفوري ليسوا الأطراف الوحيدين الذين يسعون لكسب المزيد من الوقت من أجل استخدام أطول لمواردهم الطبيعية، التي يحتاجون دخلها للتنمية. فالدول الرائدة في إنتاج اللحوم، وهي مصدر رئيسي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، خصوصاً الميثان، مثل البرازيل والأرجنتين، تُكافح بضراوة لتأخير الخفض السريع للانبعاثات، مُدافعةً عن نهج «التخفيض التدريجي» بدلاً من «التخلُّص السريع». هذه ليست مجرد مصطلحات لغوية، بل تعبِّر عن مخاوف مشروعة، بهدف الحصول على صفقة أفضل عند التوصل إلى تسويات. والأهم من ذلك كله هو التركيز على الهدف الأساس، وهو حماية المنطقة العربية من آثار التغيُّر المناخي وعدم خسارة القدرة على المنافسة، وسط اقتصادات عالمية متحولة تبني خططها المستقبلية على الحقائق المناخية الثابتة وليس على المواقف السياسية العارضة. لذا لا بد من اختيار الحلفاء العالميين المناسبين، وفق المصالح العربية، مع إيلاء أقصى درجات الاهتمام بتعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية لتقف جبهة موحدة في مفاوضات المناخ. 
غير أن آفاق العمل المناخي في عالم يواجه تحديات دموية تاريخية، من غزة إلى أوكرانيا وما بينهما، مصحوبة باضطرابات اقتصادية مزلزلة ناجمة عن حرب التعرفات الجمركية الأميركية، تختلف عما كانت عليه سابقاً. فهل ما يزال المناخ أولوية، وأين يمكن للدول العربية أن تتموضع وتقدم مساهمة إيجابية؟ 
لا يمكن أخذ القادة الذين يلقون العظات في المؤتمرات الدولية على محمل الجد إذا تحدثوا في خطبهم عن العدالة المناخية، مقدمين النصح للدول النفطية وغيرها، إذا تجاهلوا حقوق الإنسان والحق في التنمية وامتلاك التكنولوجيا. وفي المقابل، لا يمكن الاستخفاف بالتأثير الكبير لسياسات المناخ الأميركية الجديدة على الإجماع العالمي. حتى أن الولايات المتحدة هددت بفرض إجراءات عقابية على الدول المؤيدة للتدابير المناخية التي تعتبرها إدارة ترامب معرقلة للتجارة الأميركية الحرّة. 
من المؤكد أن الأمور تتباطأ والعالم معرَّض لخطر إعاقة زخم العمل المناخي. لكن الجانب الإيجابي هو أنه رغم هذه الحرب غير المسبوقة على العمل المناخي من قوة عظمى، ما يزال المناخ يحتل مكانة بارزة في أجندات معظم الدول والمجموعات الإقليمية. فدول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، رغم المعوقات الناجمة عن التحديات الاقتصادية والأمنية، ما تزال ملتزمة بالإجراءات المناخية الجادة التي وعدت بها، ولو بوتيرة أبطأ. وقد زادت الصين من التزاماتها المناخية، بما في ذلك تسريع وتيرة الانتقال إلى الطاقة المتجددة. أما الدول العربية، بما فيها تلك المصدّرة للنفط، فقد عززت برامجها لتنويع مصادر الطاقة والاقتصاد عامةً، ووسعت استثماراتها في الطاقة الكفؤة والنظيفة والمتجددة. لقد قادت الحكمة السياسية هذه الدول إلى اختيار الجانب الصحيح من التاريخ، وعدم المخاطرة بفقدان الميزة التنافسية في المستقبل لقاء مكاسب مؤقتة. 
إن الدول النفطية محقة في استكشاف جميع الخيارات التي تتيح لها تحقيق الحياد الكربوني، من خلال تحسين الكفاءة، واحتجاز الكربون وتخزينه، وغيرها من التقنيات المتقدمة، لتجنُّب الصدمات المفاجئة. لكن تحقيق الحياد الكربوني يبقى أمراً ضرورياً للعالم، بما في ذلك المنطقة العربية، المعرّضة بشكل خاص لتحديات تغيُّر المناخ. ومن متطلباته الأساسية تخفيض الوقود المسبب للانبعاثات الكربونية، انتاجاً واستهلاكاً. 
بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تعمل الدول العربية المُنتجة للنفط على تنويع اقتصاداتها، باستثمارات ضخمة في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، إلى جانب السعي نحو الابتكارات التكنولوجية لاستخدام أنظف للوقود الأحفوري؛ كما تعمل المغرب والأردن ومصر على تكثيف خططها الانتقالية. وهذا توجّه حكيم سيعزز موقف المفاوضين العرب في البرازيل، بالعمل كمجموعة موحدة، مع اختيار الحلفاء المناسبين. 
   |